• ×

امنح الطفل الذي بداخلك بعض الحرية

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 جميعنا أطفال نحاول أن نشق طريقنا بين من يظنون أنهم لم يعودوا أطفالا. بالنسبة لي هذه حقيقة ثابتة ولو تناساها البعض وتجاهلها آخرون.
نحن نبذل جهوداً متفاوتة في حياتنا ليس لتحقيق الذات والنجاح والتواصل مع الآخرين كما يظن أغلبنا بل في الأساس لنجد طريقنا للعودة لأنفسنا، للسلام والتصالح معها وحبها أيضاً.
علينا أن نقر بأننا نتاج مجتمعاتنا ومفاهيم مجتمعاتنا. آبائنا بذلوا من أجلنا ما بوسعهم كما فعل معهم آباؤهم وهكذا تنتقل الأمانة عبر الأجيال.
بالطبع ما يعتقده الآباء مما اكتسبوه في حياتهم وبالمقام الأول ما ورثوه من آبائهم يحدد مسارهم في التعامل مع أبنائهم وهذا لا يعني بالتأكيد أنها مسلمات ولكنها في وقتها كانت بالطبع أفضل الخيارات.
كأطفال نحن دوما أو لنقل غالباً نسعى جاهدين لنحظى بالثناء أو التأييد من قبل الآباء، رغم أننا غالباً لا نحصل ذلك أو أنها لا تحصل بالطريقة التي نتمناها أو نرغبها في حينه.
ولهذا يتطور لدينا الشعور بعدم الأمان والبحث دوماً عمن نعتمد عليه، أو نلقي بالملامة عليه ونلبث في هذا دهراً ولا نعرف كيفية الخلاص.
في الحقيقة نحن نتوقع من آبائنا أمراً، لم يمكنهم تحقيقه لأنفسهم ثم نحمل بداخلنا هذه الحاجة التي تتحول إلى ألم طوال مشوار الحياة، فنكبر وتكبر بداخلنا.
معظم إن لم يكن كل معاناتنا وألمنا هو بسبب الطفل الذي بداخلنا، ذلك الطفل الذي يلازمه الشعور بعدم الأهمية والحاجة الملحة لأن يشعره أحدهم بالحب والتقدير وقبل كل هذا القبول.
الفتاة أو الفتى الصغير الذي بحاجة للرعاية، الحب وقبل كل ذلك أن يشعر بأنه يستطيع أو قادر على المحاولة على الأقل لفعل تلك الأمور التي تمر بذهنه ويتمنى فعلها كسلوك طفولي أو على الأقل الحوار معه حيال ذلك، أصبح وبدون مقدمات مدفون في كومة لا نهاية لها من واجبات الكبار.
بعض الأحيان نشعر بألم شديد ولكننا في الحقيقة نجهل تماماً لماذا وكيف انتهى بنا الحال إلى ما نحن عليه الآن.
اليوم نحن على وشك أن نصبح آباء وبالطبع يتطلب منا ذلك الاعتناء بصغار هم في مثل ما كنا فيه سابقاً وقد يكون بعضنا قد أصبح أباً بالفعل، وكثيرون لا يدركون أننا بدون أن نحب أنفسنا ونهتم بذلك الطفل التائه بداخلنا فلن نتمكن فعلياً من الاهتمام والعناية بأطفالنا كما ينبغي.
ولنبدأ في ذلك علينا أولاً أن نفسح المجال للطفل الذي بداخلنا لأن ينطلق في رحلة تأملية تعيده إلى مرحلة طفولته المبكرة حيث كان وقتها بأمس الحاجة لمن يقول له أنك بخير وبأمان وأنني أحبك أكثر من أي شيء في حياتي وسأبذل كل ما أستطيعه من أجلك، ليشعره أنه فعلاً يتقبله ويحرص على أن يكون في أحسن حال.
لا تتوقف واستمر في هذه الرحلة التأملية واصنع لنفسك السيناريو الذي كنت تريده فعلاً عندما كنت طفلاً صغيراً.
غير في الأحداث وفي المواقف واجعلها تبدوا تماماً كما كانت أمنياتك ورغباتك وقتها، واسمح لكل تلك المشاهد أن تلامس قلبك وكل مشاعرك ولا تحاول أبداً أن توقفها أو حتى تعترض على أي منها أو تحبسها فيكفيها ما مضى من العمر وهو تنتظر هذه اللحظات.
كرر هذه العملية أكثر من مرة في كل مرة تجد فيها نفسك وحيداً وبعيداً عن الآخرين لتمنح نفسك مزيداً من الحرية والمساحة لكل مشاعرك وانفعالاتك.
الآن أنت أيقظت الطفل الذي بداخلك، منحته مساحة من الاهتمام والرعاية والحب وقبل كل هذا القبول الذي طالما احتاجها وتمناها.
الخطوة التالية تكمن في أن تمنح هذا الطفل بعض الوقت لممارسة طفولته بين الحين والحين وألا تحرمه من بعض الرغبات الطفولية التي تمر به لمجرد أنه أصبح كبيراً.
إذا وصلت لهذه المرحلة فأنت الآن على أتم الاستعداد لتصبح والداً ناجحا بكل المقاييس ستحب أبناءك كما ترغب أنت وكما يحتاجونك هم وستكون فعلاً والداً ناجحاً يحب نفسه كثيراً ويحب الطفل الذي أمامه كما يحب الذي بداخله وربما أكثر.
لا تقنع نفسك أو تسمح لأحد بأن يقنعك بأنك كبرت ولم يعد هناك مجال لأن تمارس بعض الطفولة بين الحين والحين ولكن عليك أن تحذر من منح هذا الطفل مساحة أكثر مما يريد فقد يؤدي بك إلى ما لا تحمد عقباه.
بواسطة : admin
 0  0  867
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 02:23 مساءً السبت 20 أبريل 2024.